إن البحث عن الدواء أسبق ما سعى الإنسان إلى معرفته في سبيل المحافظة على صحته، معتمداً على ما في الطبيعة من مواد نباتية وحيوانية ومعدنية، علمته التجربة فوائدها. ثم أخذ عدد الأدوية البدائية يزداد مع مرور الزمن، ولا سيماـ في عهد ما قبل التاريخ - من قبل الصينيين والهنود وقدامى المصريين والإغريق. وقد حمل العرب في العصر الوسيط مشعل الدواء، فأخذوا المعلومات الدوائية عن أسلافهم ولاسيما عن اليونانيين والإغريق، ونقدوها وأضافوا إليها، فعرفوا وجود القلوانيات واستعملوا العطريات في معالجة أمراض الصدر، والراوند والسنى في الإسهال وأمراض الكبد. وتعد بحوث الأدوية في مخطوطاتهم وأسفارهم الطبية ثروة ضخمة. وامتاز أسلوبهم بالوضوح في وصف الدواء، وذكر مصدره وماهيته ، ومقداره وسميته ومضاد الانسمام به وفوائده في مختلف الأمراض.

وقد بقيت هذه المؤلفات العربية فى مجال الدواء مصدراً نفيساً، استفادت منه سائر كليات الطب في العالم طوال خمسة قرون حيث ترجم معظمها إلى اللاتينية لغة الطب آنذاك، ثم إلى لغات متعددة. لذا اهتم تاريخ الطب بالأسماء النابهة من أطباء العرب الذين كان لهم الأثر المباشر في تقدم دراسة الطب إجمالاً والدواء خاصة أمثال : صابر بن سهل واضع أول دستور للأدوية باسم «قرابادن» اشتقاقاً من كلمة أقرباذين الفارسية، وابن سينا الذي خصص كثيراً من مؤلفاته للبحث في الدوائيات وأشهرها «القانون فى الطب» و داوود الأنطاكي صاحب كتاب "التذكرة".

وفي عهد النهضة الأوربية ( 1500م) بدأت تجربة الدواء على الحيوانات، وكان لكل من ماجندي وكلود برنار - الفضل الأوفر في تطوير علم الأدوية ليصبح بعدئذ علماً مستقلاً، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان أوزوالد شميدبرغ أول أستاذ لعلم الأدوية الحديث، وعُدّ مؤسس هذا العلم. وفي بداية القرن العشرين ومع تطور علوم الكيمياء ، بدأ العلماء رحلة بحث شاقة مع المادة الكيمياوية، انتهت بتحضير أدوية إنشائية تستخدم في مجالات ثلاث لا رابع لها وهي الوقاية، العلاج و التشخيص. وفى الوقت الراهن تصدرمعظم الدول دليلاً يسمى دستور الأدوية، يتضمن وصفاً لخصائص الدواء الفيزيائية والكيمياوية والدوائية، مع ذكر طرق تحضير الدواء فنياً، وتحديد مقداره العلاجي ، وبيان تداخله حين أخذه مع غيره، وعوارض تأثيراته السيئة.

ويطلق على علم الأدوية "علم الفارماكولوجيا" وهو مأخوذ من كلمتين يونانيتين، الأولى  φάρμακον ومقابلها فى اللاتينية pharmacon ، وتعني "الدواء"، والأخرى  λόγος، ومقابلها اللاتيني logos وتعني "العلم". وعلم الأدوية ليس مرادفا للصيدلة، حيث أن الصيدلة هو الاسم المستخدم لوصف المهنة نفسها.

 

أ. د. جمال عبدالحكيم سليمان

مشرف قسم علم الأدوية

تاريخ آخر تعديل 15/12/2024 - 13:12 بتوقيت المملكة العربية السعودية

هل أعجبك محتوى الصفحة ؟
السبب
السبب
btn