مع تنامي الاتجاهات الشعبيةِ نحو التداوي بالأعشاب والتي تلاحظ في تلك الاستخدامات التقليدية من قِبل المجتمعات المحلية بشكل متواصل ، و وسط هذا الزخم من الإصدارات المختلفة التي تروّج لبعض الوصفاتِ العلاجية من ناحية ، وهذه الدراسات والتوصيات التي تصدر عن المؤتمرات العلمية العالمية والتي تدعو إلى الإهتمام بالثروة الجينية للنباتات من جهة أخرى. تغدو الحاجة ملحة إلى تفعيل دور المعشبة «Herbarium» في المراكز والمؤسسات العلمية والمدنية في آنٍ واحدٍ، باعتبارها المخزن العلمي لهذه الأنواع التي تتعرض لتهديدات خطيرة من تلك الاستخدامات المبالغ فيها. وعلى الرُغم من أن معظم جامعاتنا العربية تكاد لا تخلو من وجود معشبة ملحقة بأقسام النبات أو الأقسام البيولوجية في كليات الزراعة والصيدلة والعلوم ، بالاضافة إلى بعض المراكز العلمية المتخصصة، إلا أن حال معظمها ليس على المستوى المرجو، لتوقف تحديثها أو قلة التغذية المستمرة إليها من الإضافات الجديدة ، كما أن النظر إليها باعتبارها جزء من متحف علمي ، جعلها تأتي في درجة تالية من إهتمام المسؤولين لرصد الميزانيات المناسبة لها ، على الرُغم من أهمية دورها المرجعي كبنك متنامي للمعلومات Data Bank في بيئتنا العربية ، بإعتبارها مصدراً محترماً للمعلومات العلمية و أشبه بدائرة معارف يمكن الرجوع إليها في العديد من الدراسات التوثيقية المتعلقة بمواردنا النباتية.
هناك شبه إجماع بأن المعشبات هي أول المعامل النباتية التى عرفها الإنسان ، بعد مرحلة الجمع العشوائي من البراري والحدائق ، فقد كان لازماً عليه ان يفكر في المكان الذي يحفظ فيه والتي يجمعها بطريقة تسهل عليه الرجوع إليها باسرع وايسر جهد ، ومع نجاحه في ايجاد ذلك المكان بمواصفاته الممكنة يمكننا ان نقول ان ذلك كان بداية للبحث العلمي النباتي ( التقليدي ) الذي بدء بالفعل في أروقة المعشبات، وحوانيت العشابين ، عندما كان النبات ( العشب ) هو المصدر الرئيسي في الممارسات العلاجية ، واقترن الطب منذ قديم الزمان عند قدماء المصريين والأغريق والعرب والهنود والصينيين بالتداوي بالأعشاب ، وكانت المعشبة آنذاك أشبه بالصيدلية والعيادة والمعمل في آن واحد ، يتجه إليها الأطباء والعشابون والمرضى ، فلم تكن الصيدليات في عهودها الأولى سوى حوانيت تبيع أنواعاً كثيرة من الأعشاب الطبية أو أوراقها وزهورها والبذور والثمار والجذور في صورتها الطبيعية أو على هيئة مسحوق أو مغلي ، وتطور دورها عبر العصور وتزايدت مكانتها بين المهتمين من الدارسين والبحاث من العشابين Herbalists إبان عصر النهضة ، حتى غدت مركزاً علمياً معني بكافة نواحي المعرفة النباتية قبل ان تتمايز التخصصات الفرعية ، ويعتبر لفظ أو مصطلح المعشبة Herbarium مصطلحاً له دلالته الطبية فقد استعمل قديماً بمعنى كتاب النباتات الطبية ، وكان العالم السويدي الشهير لينيس Linnaeus أول من قام باستخدام هذا المصطلح بمعناه الحالي، بينما يعد العالم الإيطالي جيني Ghini هو أول من قام بإعداد العينات المعشبية على الهيئة التي نعرفها ، ومن ثم يسرت هذه الطريقة على القائمين بالتصنيف والتبويب البدء في أهم عملية علمية وهي دخول المنهج العلمي من خلالها إلى عالم المعرفة ، ولتنتقل معه البشرية لأهم مرحلة من مراحل تطورها ، لحفظ التراث الطبيعي النباتي
وإذا كان الحديث عن موضوعات بيئية مثل التنوع الحيوي «Biodiversity» وصيانة المصادر الجينية وبنوك البذور بدأت تتردد الآن في قاموسنا الاصطلاحي، وفرضت نفسها مؤخراً على أدبيات الإعلام البيئي والعلمي لما تمثله من مصادر أساسية للبحث العلمي ، فأننا هنا نقترب إقتراباً مقصوداً من (عالم المعشبات) وإبراز أهم الوسائل الكفيلة بالمحافظةِ على الأنواع النباتية في بيئتنا العربية، بالإضافة إلى أهميتها الحيوية والطبية والاقتصادية بشكل عام ، خاصة وأن العديد من الأنواع النباتية المعروفة وغير المعروفة باتت مهددة بالإختفاء قبل أن تدرس أو تُجمع من أماكنها الأصلية. وهو إقتراب يقدره مختصو علم النباتات ، الذين يقدرون بشكل خاص أهمية المجموعات النباتية ودورها في حياة الإنسان .إلا أن حاجتهم إلى التعرف على المزيد من الطرق العملية التي توجههم إلى العناية بشكل أفضل تغدو الآن مطلباً هاماً ، خاصة مع دخول الحاسب الآلي في أوجه المعرفة كآداة لتخزين المعلومات وتصنيفها وسرعة استدعائها وهو ما يجعل من دور المعشبات، ركيزة أساسية لتوثيق هذه العلاقات الحميمة مع النباتات البرية Flora في مواطنها الأصلية، وفي الوقت نفسه العمل على حماية النادر منها أو المُعرُض للإنقراض بسبب الإعتداءات المستمرة من قِبل من يجهلون قيمته الحيوية ، حتى ولو كان ذلك بحُجة عمليات التنمية العمرانية.
المعشبة النباتية بصفة عامة هي المكان الذي تجمع فية مجموعة من العينات النباتية، والتي تم ضغطها و تجفيفها و تثبيتها على صحيفة ورقية محددة الأبعاد و في صورة تضاهي الصورة الحية للنبات ثم يكتب تعريفها تفصيليا على الصحيفة الورقية، ثم تخزن في صورة مرتبة إما أبجديا آو طبقا لأحد نظم التصنيف المعتمدة للنبات. و تشبه المعشبة المكتبة إلا أنها تختلف في أن البيانات أو المعلومات في المعشبة تخزن في صورة بيولوجية، حيث تكون في صورة عينات نباتية مضغوطة و مجففة و موثقة بصورة تفصيلية محددة و واضحة.
تقوم المْعَشَبة بوظيفة مهمة في دراسة النباتات؛ فهي تقدِّم طريقة ميسرة لتمييز و مقارنة العديد من أنواع النباتات المختلفة أو الصور العديدة لنوع واحد معين فتصبح المعشبة سجلاً قيِّمًا ودائما لحياة النبات.
معظمُ العيّنات في المعشبة مثبتة في صفحات من الورق المقوَّى وتسمى كل عينة باسمها ومكان وتاريخ جمعها و اسم من جمعها ومعلومات أخرى. وتُبين العينة الجيدة كل أجزاء النبات، مثل الجذر والورقة والزهرة والثمرة. فإذا كانت العينات محمية من الحشرات والرطوبة فإنها تعيش مئات السنين.
و أقيم العينات في المعشبة تلك التي تُعَدُّ الأولى من نوعها لأن الهدف الأولي للمعشبة هو تسمية عينات النباتات غير المعروفة و يحدد علماء النبات أفضل اسم يمكن استخدامه لعينة غير معروفة. وتستخدم مجموعات المعشبة أيضًا في دراسة نباتات نوع معين أو منطقة معينة. و المعشبة الجيدة لديها عينات عديدة لكل نوع من نباتات أي منطقة يكثر فيها.
أكبر مجموعة نباتات موثقة (6 ملايين عينة) موجودة في معشبة الحدائق النباتية الملكية في كيو بإنجلترا. وتوجد معشبات مُوسّعة أخرى في معهد نبات كوماروف في سانت بطرسبرج في روسيا، وفي المعشبة الوطنية في واشنطن.
تعتبر حديقة النباتات الطبية والعطرية والسامة جزء أصيل في تكملة العملية التعليمية والبحثية للطلاب والباحثين حيث تمثل الحديقة نموذج مصغر لبيئات مختلفة للنباتات وأشجار يصعب استزراعها في بيئة غير بيئتها الطبيعية. و تقوم الحديقة بلعب دور فعال في عملية استزراع وتوفير أنواع مختلفة من النباتات والأشجار لأغراض العملية البحثية والتعليمية والحفاظ علي الأنواع المهددة بالانقراض.
يمثل إنشاء حديقة النباتات الطبية والعطرية و السامة ، الخطوة الأولي و الأساسية في بناء اللبنات الداعمة لعلوم الصيدلة وفروعها المختلفة ، وأيضاً لإثراء البحث العلمي و التعليمي للطلاب و الباحثين.
كان من أثار التطور العمراني و المدني بالإضافة إلي التغيرات المناخية أن أدت إلي تدهور الغطاء النباتي لمعظم المناطق التي كانت تعتبر مناطق محفوظة وتعج بانواع مختلفة من النباتات ذات الفائدة العلاجية والاقتصادية.
وكان من اثأر هذا التطور أن فقدت كثير من النباتات والتي دعت الحوجة إلي التعرف عليها وحفظها من أن تطالها يد الإنسان أو أن تجور عليها الطبيعة بالانقراض.
تولي كثير من دول العالم المتقدم اهتمام عظيم لحدائق النباتات الطبية والعطرية والسامة وذلك لما تمثله هذه الحدائق وما تلعبه من دور مهم في الحفاظ علي البيئة النباتية بمختلف مكوناتها.
تمثل اليوم حدائق النباتات مرجعا مهما لدراسة النباتات وكشف أسرار ومكونات هذه النباتات التي أضحت تمثل العمود الفقري في صناعة الدواء.