السيلياك
هو مرض الاضطرابات الهضمية بمعنى رفض الجهاز الهضمي لبروتينات الجلوتين في المواد الغذائية ويطلق عليه ايضا اسم الداء البطني ، الداء الزلاقي ، السيلياك واحيانا يسمى بمرض حساسية القمح، كلها أسماء متعددة لمرض واحد هو بالإنجليزية (Coeliac disease) أو .(Celiac disease) هو مرض مناعي ذاتي مكتسب يصيب الأمعاء الدقيقة لدى بعض الأشخاص والذين يتمتعون بقابلية جينية للإصابة به، وهناك عامل وراثي في هذا المرض حيث نسبة الإصابة عند أقارب المريض من الدرجة الأولى (مثل الإخوان والأبناء) تصل إلى 5-20%. ويبدو أن المرض في ازدياد في العالم كله حيث يُقدر الباحثون في الولايات المتحدة أن نسبة الإصابة بين الكبار قد تصل إلى 1%. وقد يحدث في أية مرحلة عمرية منذ الطفولة وحتى الشيخوخة المتأخرة، وتتراوح نسبة حدوث هذا المرض لدى الأطفال ما بين 0.33 – 1.06 % أما لدى البالغين فيتراوح العدد ما بين 0.18 – 1.2 %.
ان بعض الحالات المرضية كالعته المنغولي والسكري المعتمد على الانسولين ومتلازمة تيرنر لديهم قابلية أعلى للإصابة بالسيلياك وتتراوح نسبة الإصابة لديهم بين 5 – 10 %، ومن أهم الأعراض المصاحبة لهذا المرض: الاسهال والانتفاخ وآلام البطن، كما تم اكتشاف وجود الاصابة بالسيلياك لدى الكثيرين ممن لا يشكون من أية أعراض وذلك خلال الفحوصات الطبية العامة . يحدث السيلياك كردة فعل للتعرض لبروتين الجليادين الموجود في الحبوب وخاصة القمح , الذي يؤدي الى حالة اعتلال معوي بسبب الجليادين.
الجلوتين Gluten هو البروتين الموجود في بعض الحبوب وخاصة القمح ، ولا يوجد في الجبوب الاخرى مثل الذرة أو الارز، والذي يتكون من بروتين يسمى بالبرولامينات Prolamins، وهي بروتينات غنية بالأحماض الامينية البرولين والجلوتامين ، ويعتبر الجليادين من البرولامينات وتتميز البرولامينات بقدرتها على مقاومة تأثير أنزيمات Piptidase , Protease المسؤولين عن هضم البروتينات الموجودة في وعند تناول بعض الاشخاص أغذية محتوية على هذا البروتين تقوم انزيمات Transglutaminase بتعديل تركيبة بروتين الجليادين Gliadin، ونتيجة لهذا التعديل يقوم الجهاز المناعي في جسم الإنسان بمهاجمة أنسجة الأمعاء محدثاً رد فعل مناعي ومسبباً حدوث التهاب بها، ويؤدي هذا الالتهاب إلى تدمير الاهداب المبطنة للأمعاء والتي تقوم بدور الامتصاص مما يجعل السطح المبطن للأمعاء أملساً، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث سوء امتصاص للغذاء.
العوامل الجينية
ان الغالبية العظمى من المرضى يحملون أحد النوعين من جينات التوافق الجيني HLA DQ2 والموجود على الذراع القصير للكروموسوم (الصبغي) السادس وهذا التوافق الجيني HLA DQ2 له سبعة أنواع DQ2 و DQ4 حتى DQ9ويوجد لدى المصابين بالسيلياك عادة DQ2 أو DQ8، وتزيد هذه الجينات من عدد المستقبلات التي ترتبط ببروتين الجليادين مما يزيد من قوة تنشيط الخلايا اللمفاوية T cells وبالتالي تفعيل الجهاز المناعي ضد الخلايا المبطنة للأمعاء. تقوم بروتينات الجليادين بالتأثير على نقاط الالتحام الموجودة بين خلايا بطانة الأمعاء الدقيقة مما يسهل دخول جزيئات أكبر إلى داخل الأنسجة المعوية ويسبب وصول البرولامينات والببتيدات المحتوية على الجليادين إلى مرمى الجهاز المناعي مسببة رد فعل مناعي.
ويؤدي رد الفعل المناعي الناتج عن مهاجمة الخلايا اللمفاوية T cells لبطانة الأمعاء الدقيقة مسببة تهديم البنية الهندسية للأهداب المعوية ومحدثة ترققاً في جدار الأمعاء، نتيجة لهذا يصاب المريض بسوء الامتصاص وخاصة امتصاص فيتامينات (أ) و(د) و(هـ) و(ك)، ويحدث في كثير من الحالات أيضاً سوء امتصاص سكر اللاكتوز الموجود في منتجات الحليب.
هل المرض شائع في السعودية؟
هناك اعتقاد خاطئ تم تكريسه من خلال التعليم الطبي لجيل كبير من الأطباء وهو أن مرض السيلياك منتشر بين القوقازيين (الجنسيات الغير عربية) ولا يصيب العرب. حيث كان يعتقد أن مرض السيلياك مرض يصيب الأطفال من أصول أوروبية (الجنس الأبيض) وفي كتاب شهير عن أمراض الجهاز الهضمي عند الأطفال للطبيبة شارلوت أندرسون نشر عام 1975 ذكرت الكاتبة بالنص "أن طفل مرض السيلياك التقليدي أشقر الشعر وأزرق العينين". ولأن مرض السيلياك يتعلق بدرجة كبيرة بالجينات التي يحملها الشخص، فإن هذا الفكر الطبي الذي تم تدريسه لأجيال من الأطباء أدى إلى اعتقاد بين المعالجين يصل إلى حد اليقين بأن مرض السيلياك مرض يصيب الجنس الأبيض وهو نادر جدا بين العرب والذي بدوره نتج عنه عدم معرفة بوجود المرض بين العرب والتشخيص الخاطئ أو عدم التشخيص الدقيق وصرف أدوية خاطئة. ولكن الأبحاث الحديثة تفند هذا الاعتقاد. فقد أظهرت دراسة مسحية كشفية أن نسبة الإصابة بالمرض تصل إلى 5.6% في منطقة الصحراء الغربية وهي منطقة يسكنها العرب والبربر، أي ما يصل إلى ثلاثة أضعاف نسبته في أوروبا. كما ظهرت عدة أبحاث مسحية حديثة من إيران أظهرت أن نسبة حدوث المرض مقاربة للنسب الأوروبية. وحديثا وُجد في تركيا أن النسب قريبة من أوروبا كذلك. وفي العالم العربي أظهرت دراسات مسحية في مصر وبين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة نسبة إصابة مرتفعة تصل إلى 1%. وفي المملكة العربية السعودية، قام فريق بحثي من جامعة الملك سعود بإجراء بحث كشفي مسحي لمرض السيلياك بين طلاب المدراس الثانوية في ثلاث مناطق من المملكة، حيث قام الباحثون بقياس الأجسام المضادة عند عينة عشوائية من طلاب المدارس الثانوية تتكون من حوالي 1200 طالب وطالبة بين عامي 2007-2008 م في مناطق عسير والمدينة والقصيم. وأظهرت النتائج أن 2.2% من الطلاب كانت نتائجهم موجبة وهي نسبة مرتفعة جدا تعادل أعلى النسب في أوروبا. تُظهر الدراسات السابقة أن مرض السيلياك موجود في الجنس العربي ولكنه لا يشخص بسبب نقص المعرفة بين الكثير من المعالجين.
يقوم الطبيب بعمل منظار للجهاز الهضمي العلوي وأخذ عينة من الأمعاء الدقيقة
الأعراض السريرية
غالبية الأعراض المشاهدة في حالات السيلياك تكون متعلقة بالجهاز الهضمي وغالباً تظهر لدى الاطفال المصابين ما بين عمر 9 أشهر وسنتين وعادة تكون بعد ادخال الحبوب والخبر إلى طعام الطفل بفترة قصيرة، وأشهر هذه الأعراض :الاسهال، نقصان الوزن، تأخر النمو، فقر الدم، الضعف والوهن، آلام البطن، النفخة المعوية، تقرحات فموية ، زيادة قابلية النزيف وذلك نتيجة انخفاض نسبة فيتامين (ك) في الدم، تكاثر البكتيريا داخل الأمعاء الدقيقة نتيجة سوء الامتصاص، التهاب الجلد الحلائي وهي حالة جلدية تصيب مرضى السيلياك وتسبب حكة جلدية، ويحدث التهاب الجلد الحلائي نتيجة لعمل الانزيم ناقل الجلوتامين في الجلد.
وكثيراً ما يتم الخلط بين هذا المرض لدى البالغين وبين مرض القولون العصبي، وقد لوحظ ظهور سوء هضم اللاكتوز لدى مرضى السيلياك ، كما وجد أن الإصابة بالسيلياك تزيد من احتمالية الإصابة بسرطانات الأمعاء الدقيقة كما أنها تترافق مع عدة أمراض نقص مناعة وأشهرها نقص جلوبينات IgA المناعية.
اختبار وجود الأجسام المضادة
تم اعتماد عدة فحوص مصلية للكشف عن عدة أجسام مضادة في محاولة لتشخيص السيلياك ، ومن أكثر الأجسام المضادة التي استخدمت في السابق هي مضادات الجليادين أو الريلاكتين أو الإندوميوسين، ولوحظ أن هذه التحاليل غير دقيقة بشكل كافٍ وخاصة لدى الأطفال دون الخامسة من العمر ولذى توجب إيجاد تحاليل أكثر دقة وحساسية في التشخيص.
ويتم حالياً اختبار وجود أجسام مضادة للأنزيم ناقل الجلوتامين في مصل الدم لتأكيد تشخيص السيلياك ، ولقد أصبح هذا التحليل المصلي المفضل على باقي التحاليل المصلية القديمة وذلك لدقته النوعية والكمية. فتبلغ حساسيته 99% ودقته النوعية أكثر من 90%.
وينصح بتفقد مستوى الجلوبينات المناعية IgA بالإضافة لفحص أجسام مضادة، لأن المرضى المصابين بنقص الجلوبينات المناعية IgA تكون أجسامهم غير قادرة على إنتاج الأجسام المضادة بشكل كافٍ وتصبح تحاليل الكشف عن الأجسام المضادة في المصل غير مجدية.
ومن الفحوص الأخرى المهمة لنفي التشخيصات الأخرى وقياس مدى حدة وتأثير الأعراض الجانبية كسوء الامتصاص ما يلي: تعداد الدم الكامل، تراكيز الشوارد في الدم ، فحص وظائف الكلى ، فحص وظائف الكبد، تركيز فيتامين (ب 12) في الدم ، تركيز حمض الفوليك في الدم ، فحص سرعة تخثر الدم.
ان علاج السيلياك يتم عن طريق استعمال حمية غذائية خالية من بروتين الجلوتين، ويتوجب اتباع هذا العلاج وهذه الحمية مدى الحياة، ولم يعرف حتى الان أي علاج آخر يمنع حدوث الالتهابات في جدار الأمعاء سوى إزالة بروتين الجلوتين الموجود في الغذاء ، ومن الصعب اتباع هذه الحمية لفترة طويلة وكثيراً ما يفشل المرضى المصابين باتباع هذه الحمية نظراً لانتشار مادة الجلوتين في كثير من المواد الغذائية المختلفة.
ويستخدم عادة مصطلح خال من الجلوتين للإشارة إلى المستوى المفترض من الجلوتين الذي يكون غير مؤذي بدلا من الغياب الكامل. وأظهرت دراسات حديثة أن استهلاك الفرد المصاب لأقل من 10 ملجم من الجلوتين يوميا لا يسبب تشوهات نسيجية.
وهناك محاولات لإيجاد طرق علاجية بديلة والتي من بينها:
تناول الحبوب المعدلة وراثياً والخالية من الجلوتين، إلا أن مشكلة تواجه هذا النوع من الحبوب تكمن في انخفاض جودة العجين المصنع منه لغياب هذه المادة.
إضافة بعض الأنزيمات الهاضمة للجلوتين إلى الحمية الغذائية وذلك لتسهيل هضم هذه المادة وتمكين المريض من تناول الأغذية المحتوية على الجلوتين.
تثبيط عمل بروتين الزولين الذي يزيد من نفاذية الأغشية المخاطية في الأمعاء مما يقلل من حجم الاتهاب الناتج عن عبور البرولامينات إلى داخل جدار الأمعاء وحدوث رد الفعل الالتهابي فيها.