إستكشاف الدواء وتطويره يعد واحدآ من أولى الأولويات في حياة الإنسان، لذلك فإن العلماء والباحثون في هذا المجال يسترخصون الكثير من طاقاتهم وأوقاتهم تحقيقآ لهذا الهدف النبيل. والجديد في هذا الشأن هو محاولة إيجاد علاقة كمية بين التأثير الطبي والتركيب البنائي للدواء وما لها من أهمية كبرى من حيث إكتشاف دواء جديد أو تطوير أداء دواء معروف مسبقآ. وعلى هذا المنظور والتصور نشأ فرع مهم في الكيمياء ذو علاقة بناءة في إستكشاف الدواء بإستخدام برامج حاسوبية متميزة ومتطورة. ومع أن هذا الفرع ما زال في طور التطوير والدراسة إلا أنه يبدو أنه سيكون له أثر مشهود في المستقبل القريب، فهذا المجال يدرس المركبات الدوائية وخواصها كما يدرس طرق معايرتها وتحديد ذاتيتها، وهذا الفرع ينقسم لفرع طبي وآخر عضوي وقسم لا عضوي.
ولهذا فإن الاعداد الهائلة من البحوث العلمية التجريبية وكذا الكتب المرجعية يجب أن تتناول تصنيفا شاملا وإعادة تقييم لمختلف الأدوية الهائلة المتوفرة في السوق التجاري العالمي لكي تدرس وتبرز ما يطلق عليه علاقة البنية الجزيئية–بالتأثير الطبي سواءآ المرغوب فيه أو الأثر الثانوي الضار لكل فئة وعائلة طبية بعينها، بل لكل فرد من أفرادها. ويجب أن توفر هذه المراجع معلومات مثل الخواص الفيزيائية والكيميائية والإستعمال والتاثيرات الجانبية والمقدار الدوائي وفيما عدا هذه المعلومات ثمة اختلافات واسعة بين كل كتاب مرجعي وأخر في مجال الكيمياء الصيدلية إذ ان بعضها يذهب إلى الاهتمام بدراسة الأدوية من حيث الإنحلال والارتباط بالبروتينات والإمتصاص والإطراح وبعضها يذهب إلى الإهتمام بدراسة طرق التشييد والتصنيع والطرق التحليلية لهذه الادوية وقد إختلفت النظرة إلى الكيمياء الصيدلية بأختلاف التوجهات الحديثة في تدريس علم الصيدلة.
أول هذه التوجهات إنطلقت من مفهوم الإهتمام بالدواء إلى الإهتمام بمصير الدواء لدى المريض إلى الإهتمام بدواء الحالة السريرية إلى الإهتمام بتشييد وتصنيع الدواء من منشأ بيولوجي وغيرها من التوجهات التي تعتمدها مدارس الصيدلة في مختلف أنحاء العالم.
فمرحلة الإكتشاف هي المرحلة التي يتم فيها التعرف على المركبات الكيمائية الجديدة الرائدة والفعالة وهذه المرحلة يمكن الإشارة إليها، أوتسميتها بالمشاهدات. ويتم إكتشافها والتعرف عليها من خلال وأثناء إستخدام أدوية مقننة سلفآ في دساتير الأدوية العالمية، أي أنها موجودة مسبقا لأغراض علاجية لأمراض مختلفة، ثم عن طريق المتابعة الحثيثة تتم مشاهدة تأثير حيوي جديد لهذا الدواء القديم (كما حدث مثلآ في التعرف على العقار المعروف بالفياجرا)، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن مادة طبيعية جديدة أو موجودة مسبقا مستخلصة من بكتيريا أو فطريات أو كائنات بحرية أو نواتج أيض أولية أو ثانوية.
ولكن يبقى مطلوبآ المزيد من التحاليل الكيميائية في حيوانات التجارب، أولا، لتحديد وفرز المركبات التي لديها علاقة جيدة بين التركيب والنشاط ولديها مميزات كيميائية ترشحها لمزيد من التطوير في المستقبل، ثم تحسين ما تبقى من المشاهدات لتوافق النشاط الأساس المطلوب من هذه الأدوية، وتحسين الخصائص الفيزيائية والكيميائية حتى تكون هذه المركبات مفيدة عندما تعطى لمرضى حقيقيين متطوعين في المراحل النهائية. ويتوقع الباحثين من تلك التعديلات الكيميائية أن يتوصلوا لرؤية توضح مدى قابلية المركب للإرتباط مع مستقبله داخل الجسم، ويمكن لها أن تحسن الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمركب مما يحسن حركية الدواء داخل الجسم، وتوضح سمية الدواء (ثباتية الدواء تجاه أيض الجسم له، وأمانه الدوائي وخلوه من آثار سمية على الكبد والكلى والقلب وغيرها من الأحهزة الحساسة) حتى تكون هذه المركبات مناسبة للتجربة على البشر.
الخطوة التالية في عملية التصنيع تتضمن إنتاج مركبات بكميات وجودة عالية تسمح بإجراء تجارب على مستوى كبير على الحيوانات والبشر. هذا يتطلب تحسين طريقة تصنيع الدواء لتتناسب مع الإنتاج على مستوى واسع مثل ما يحدث في المصانع، بتطويع التطبيقات الكيمياء التصنيعية المتخصصة في الكيمياء الدوائية والتي تهدف إلى تكييف طرق صنع الدواء لتتناسب مع الإنتاج الصناعي الكبير لـمائة كيلوجرام أو أكثر فيما يسمى بالعملية التصنيعية وتحديد أفضل شكل صيدلاني لهذا الدواء.
فعلم الكيمياء الدوائية بطبيعته، كغيره من العلوم، علم متعدد التخصصات، والمتخصصون فيه يجب أن يكون لديهم خلفية قوية بأدوات مساعدة أو أساسية مثل الكيمياء العضوية، والتي يجب أن تربط بمفاهيم حيوية واسعة تخص أهداف الأدوية على مستوى الخلية. ولهذا فإن أغلب أنظمة التدريب في هذا المجال تتضمن دراسة سنتين زمالة بعد الحصول على الدكتوراه في مراكز ومعاهد الكيمياء التشييدية وتطبيقاتها.
لكن توجد أيضا فرص للتوظيف لحاملي درجة الماجستير في مجالات الصناعة الصيدلية على مستوى العالم كما أن هناك فرص للعمل في المجال الأكاديمي. فبرامج الدراسات العليا في الكيمياء الدوائية تكون موجودة غالبا في كليات الصيدلة وبعض أقسام الكيمياء وأغلب العاملين الحديثين في مجال الكيمياء الدوائية خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يتلقوا تدريبا رسميا في هذا المجال، لكنهم يتلقون الخلفية المطلوبة في الكيمياء الدوائية وفي علم الأدوية بعد التوظيف في الشركات الدوائية.